قانية /مرتع التاريخ واسطورة الرجل الخارق/ اليمن

الاربعاء, 11 نوفمبر, 2009
قانية.. مرتع التاريخ وأسطورة الرجل الخارق


عبدالسلام السامعي
قانية.. منطقة بين محافظتي مأرب والبيضاء وهي منطقة أثرية من الطراز الأول ففيها هجر قانية الشهير الذي يمتاز بضخامة أحجاره المنحوتة من مادة الجرانيت الصلبة حيث يصل طول بعضها إلى عشرة أمتار أو أكثر..
واسم قانية مرتبط بالأسطورة القديمة «قانية» الملكة الشهيـرة ..
وتحكي الأسطورة قصة ملكة رقيقة طليقة اللسان يضرب بجمالها المثل في سائر البلدان كانت تحكم المكان في سالف العصر والزمان اشتهرت طيلة حكمها بالحكمة وفهم مقاصد الرجال.
وتقول الأسطورة: إن الملكة قانية حدث أن زارها أحد المنجمين في ريعان العمر وزهرة الشباب ـ فانبأها عن مستقبلها وبأنها ستحكم المكان وبأنها ستؤسس ملكاً كبيراً لحفيد قادم سيكون له بعدها شأن كبير ونفوذ وسلطان، سيملك المكان من بعدها ويغير خارطة الأوطان وسيملأ العالم عدلاً ويوحد سائر البلدان.
كما أنبأها المنجم عن العصا التي سيحلمها حفيدها طيلة حياته وذلك لتشوه خلقي بسيط في الغضروف الخامس من عموده الفقري وتميزه أيضاً شامة بشكل النجمة في جفن عينه اليسرى.
سدة الحكم
ولأنها كانت تحلم بالملك والنفوذ سارعت حينها لتحقيق حلمها الكبير ومن ثم لتهيئة عوامل الحكم له ودعائم السلطان.
وكان أول ماقامت به اختيار شريك عمرها المناسب من ذي الجاه والنفوذ في الدولة فوقع اختيارها على القائد «وردان» الذي استطاعت من خلاله الوصول إلى سدة الحكم وذروة السلطان فشيدت القصور والبنيان وهيأت الجيش وأسرجت الفرسان وملأت القصر بالجواري والعبيد والغلمان إلا أن الملكة قانية التي حكمت الأمراء والعباهلة والاقيال بلغت من العمر عتيا وماتت ولم يأت حفيدها الصغير.
طائر خرافي
وتقول الاسطورة: إن الملكة قانية منذ ذلك الزمان وهي تحضر بهيئة طائر غريب إلى مكان قصرها في هجر قانية كل ليلة يولد فيها مولود ذكر في المنطقة لمراقبة ميلاد حفيدها الذي لم يأت بعد.. ليوحد العالم بعصاه السحرية ويملأ الأرض عدلاً وسلاماً.
المكان : العمود «ماهيلية» وساعة الانطلاقة جنوباً باتجاه «قانية» كانت في الثالثة والنصف عصراً، الطريق صعبة والسائق محمد مساعد الأكسر يوغل في اعماق الوادي غير مكترث بأعمدة الغبار التي يخلفها وراءه وفريق العمل الذي تقله السيارة يمضغون القات والهدوء بغية الاستئناس بسليمانية الساعة بعد عناء المهمة في الصباح.
ناقة صالح
كانت السيارة تجتاز ثورة غبارها من الشمال إلى الجنوب دون كلل.. الجميع يأملون المبيت في قانية مهما خيم التعب، وعند أول صعود لنا في عقبة «محلل» كانت السيارة تنحني تارة وأخرى تتوقف يا إلهي الطريق صعب ، ووعورتها قد لاتبلغنا الوصول إلى حيث الوجهة لكننا اجتزنا عقبة «محلل» بالسلامة وتنفسنا الصعداء ، لم نكن نعرف أن عقبة «الثور» ماتزال أمامنا نحن نجهل الطريق والطريق مهجورة وقاسية والسؤال الذي يفرض نفسه متى نصل؟ وماذا لو تعطلت بنا السيارة من سينقذنا في هذه الأرض، حيث شبكات الاتصال جميعها عاجزة تماماً عن بث مكالمة هاتفية تنبئ عن حياة أو موت في هذه المناطق ،حيث لاسكان في هذه القفار ولا منقذ.
وظلت الطريق بالتواءاتها تنحت من «كفرات» السيارة كما ينهش الداء في الجسد وهي تصعد بنا نحو الأعلى من منحدر إلى آخر ومن منعطف إلى منعطف ونحن نسبح ونقرأ الاذكار إلا أننا نسابق الزمن على ناقة صالح، نعم فالسيارة التي انطلقت بنا في السهل كالصاروخ تحولت بفعل الجبال إلى ناقة صالح والخوف كل الخوف من عارض يذبحها في عقبة الرقيم أو عقبة الضان.
كان الدليل يقودنا ببطء والرفاق كهواتفهم حائرون يفكرون ويتساءلون من الوصول إلى قانية متى يكون؟
حذر
بانتهائنا من عقبة الضان كنا نشرف على قاع قانية.. عندها أشار دليل الرحلة الخولاني «نحن في قاع قانية.. وارتفاعنا الآن بمستوى ذمار الواقعة غرب قانية»..
ولأن الشمس توشك على الغروب.. كانت الأجواء رائعة إلا أن قائد الفريق غادر صمته محذراً بأهمية الوصول قبل سدول الظلام.. المكان منطقة حروب قبلية مستمرة.. والخوف على حياتنا صار ضرورة الأمر الذي افسد استمتاعنا لعشر دقائق على سد قانية بجانب الطريق، والتقاط بعض الصور التذكارية على السد كان بين حذر وعجل ،وماهي إلا عشر دقائق آخرى حتى كنا بحمد الله ورعايته في مدرسة التضامن ،حيث كان زميلنا الأستاذ ابو سلطان وزملاؤه بانتظارنا بأحر من الجمر لنحط رحالنا بعد رحلة عناء دامت اسبوعاً بأكمله من عناء العمل في آل جناح «وماهيلية» وهناك في قانية حاولنا صبيحة اليوم الثاني العودة إلى سد قانية في محاولة أخرى لغسل نفوسنا ومشاعرنا بمياه السد ومقتضى الحال حرب قبلية دائرة بين آل النجار وآل الأحمد، والحذر واجب مقدس.
ايقاع ناري
لم نستمتع بالراحة يوم الجمعة في قانية الحرب أفسدت كل شيء ،وحديث الساعة والساعة القادمة هو الحرب لاشيء غيره والشيخ الكبير الخضر السوداي يفشل في ايقاف نار الحرب والخوف كل الخوف من افشال مهمتنا لأن المدرسة مشتركة والطلاب لن يحضروا إذا ما استعرت الحرب ليلة السبت ليلة قاسية عشناها في مدرسة التضامن في البحث عن مكان قد لاتصل إليه الرصاص إذا ما انتشر.
المعالم الأثرية
وقت الظهيرة حرصت على زيارة هجر قانية الشهير ، بأعمدته وأحجاره الجرنيتية عندها اتضح لي مفهوم قدرة السبئيين على نحت الجبال وكان احد الزائرين في مدينة مأرب ذات مرة يشك في كون اعمدة معابد مأرب من الحجر وكان يعتقدها قوالب.. غره في ذلك لون احجار البلق الأبيض ، والسؤال الذي يفرض نفسه الآن ماذا لو زار ذلك الزائر هجر قانية وشاهد الأحجار الجرانيتية هل سيعتقدها قوالب ايضاً؟.
وهجر قانية كبير وقديم جداً ويحتوي على نقوش مسندية ومبان ضخمة قد اتت عليها يد الإنسان بالتدمير ولم يبق من هجر قانية إلا ضخامة الأحجار وبعض النقوش التي نالت هي الأخرى من عبثية الإنسان وطمست حروفها على الجرانيت.
كانت زيارتي للهجر بمعية الأستاذ محمد النجار الذي اشار إلى زيارة بعض الفرق الأثرية للمكان لكنه لم يشر إلى ممارسة أي حفريات أو دراسات أثرية للمكان والبحث عن مخزونه الحضاري.
التعليم في قانية
قانية التي تتوسط كل من «ماهيلية» شمالاً والعبدية شرقاً وردمان آل عواض من الجنوب والسوادية من الغرب فهي ليست بأقل شأناً من هذه المناطق وبالرغم من انها اخذت نصيبها من المنشآت التعليمية إلا أن استمرار الحروب القبلية اثر كثيراً في مجريات العملية التعليمية وأدى إلى توقف بعض المدارس لسنوات عديدة «كمدرسة آل الأحمد» التي توقفت لست سنوات على التوالي الأمر الذي انعكس سلباً على تعليم الفتاة بشكل أكبر.
ومن المفارقات التي لم نشهدها في مكان آخر أن آل الأحمد يفتحون المدرسة هذا العام تحت إدارة الأستاذ محمد النجار من القبيلة المضادة لهم في الحرب الدائرة إلا أن جهل الست السنوات العجاف دفع بهم إلى خطوة ايجابية وهي ابعاد مدير المدرسة عن حلبة الصراع القبلي ومساعدته على التفرغ لمهامه التربوية في القبيلة الخصم.
ومن ثمرة فتح المدرسة شاهدنا طالبات توقفن عن الدراسة قبل ست سنوات اليوم يحضرن إلى المدرسة في الصف السادس والسابع رغم المسافة العمرية بدافع حب للتعلم.
التركيبة السكانية
تضم قانية مجموعة من القرى المتقاربة والمتباعدة ويسكن هذه القرى قبائل آل الأحمد وآل النجار ومجموعة من القبائل الأخرى ومن المؤسف انتشار الثأر بين قبائل قانية بشكل كبير ومعظم سكان قانية يعملون في الزراعة والاغتراب في دول الخليج.
حتال
«حتال» قرية نائية تبعد ساعتين كاملتين عن مركز عزلة قانية سمعت بهذه القرية مسبقاً من بعض الزملاء وسمعت كثيراً بالاشادة بكرم اهلها الطيبين ، وقدر لي هذا العام زيارتها لأول مرة لا لشيء بل لأشاهد أبناءها واكتب عن حياتهم في «حتال».
منازل «حتال» متداخلة مع منازل عزلة آل عواض بمديرية ردمان محافظة البيضاء نبيل ومحمد الهندي طالبان من مديرية ردمان تم الاستعانة بهم في ذلك الصباح 19/4/2009م في الثامنة صباحاً كنا في مدرسة الإمام علي في «حتال» .. المدرسة صغيرة بمعلم واحد والانتهاء من العمل كان عند العاشرة.
البناء المعماري في «حتال» أكثر شيء لفت انتباهنا وذلك بفضل «الشرانيف» التي تميز سقوف المنازل في محافظة البيضاء لكنها في «حتال» أخذت شكلاً رائعاً.
بعد العاشرة تم اختيار سد ردمان القريب من «حتال» للتنزه هناك حتى وقت الظهيرة ،كانت فرصة جميلة ومثمرة ثم زيارة السد والتقاط الصور الفوتوغرافية هناك ،وتلك من أجمل الرحلات لثالث اكبر سد في اليمن بعد سد مأرب.
كان السد يحتوي كميات كبيرة من مياه الأمطار تلك الأيام أدت إلى ارتفاع منسوبه والثانية عشرة عدنا إلى «حتال» لتناول الغداء والمقيل ثم بعد ذلك استأنفنا العودة إلى قانية بعد توديع أهالي «حتال» الكرماء، ورغم بعُد المنطقة في حتال إلا أن غالبية سكانها في الخليج ولذا تنتشر في القرية المباني الحديثة باشكالها الرائعة ، ومن هنا انقل معاناة سكان «حتال» وحاجتهم لمنشأة دراسية وعدد من المعلمين لتعليم الطلاب في تلك القرية البعيدة.