المشهد الفلسطيني ..نظرة عن قرب!
خالد وليد محمود
"متى سننتهي من خلافاتنا الداخلية والحزبية والتفرغ إلى لملمة الأوراق المبعثرة وتوجيه بوصلتنا نحو هدف الشعب الرئيسي وهو دحر الاحتلال وإقامة الدولة المستقلة؟" بهذه التساؤلات عبر أحد المواطنين الفلسطينيين عن مشاعره بشيء من الإحباط واليأس والغضب تجاه حالة الانقسام وتداعياته التي وصلت ذروتها لدى الشارع الفلسطيني ،مذكراً بالحلقة الأخيرة من مسلسل "باب الحارة" الذي يحاكي بأحداثه –بصورة أو بأخرى-الواقع الفلسطيني المرير ...فالصورة نفسها ..خلافات الحواري في المسلسل تشبه إلى حد كبير الخلافات الفلسطينية وإن تغيرت الأسباب ولكن ما اتفقت عليه تلك الحارات أكبر بكثير من أي خلافات داخلية وهذا ما حدا (بالعقلاء) لمعالجة الأمور بالطرق العقلانية دون السماح لنار الفتنة بالاشتعال بينهم..وفي النهاية وحدهم شيء رئيسي وهو الاتحاد لمحاربة المحتل الفرنسي (...) ويضيف :"يجب أن نستفيد من هذا الدرس..ولنخرج رؤوسنا من الرمال"..أين عقلاء شعبنا"؟!مقترحاً أن تقوم مصر التي ترعى جولات الحوار الفلسطيني بعرض الحلقة الأخيرة من مسلسل "باب الحارة" على مائدة الحوار الفصائلي في القاهرة لعله يثمر في تحقيق المصالحة!
وعند النزول إلى التفاصيل، نرى أن المعطيات في المشهد الفلسطيني الداخلي تنبئ بأن الأمور تسير بشكل سيئ، نسبة البطالة والفقر في تصاعد، مع سقوط لجميع المراهنات على المفاوضات العقيمة في ظل هجمة استيطانية شرسة ... هذه المؤشرات جعلت العديد من الناس في ذروة الغليان، ويبدو أن هذه المرة ليس فقط على الاحتلال وتداعياته، وإنما على الفساد المستشري حتى النخاع في أجهزة ومؤسسات السلطة، وعلى حالة الانقسام النكبوي الذي يدمر المشروع الوطني التحرري الفلسطيني يوماً بعد يوم، والأهم من كل ذلك، أن الشعب الفلسطيني قد ضاق ذرعاً وصبراً من الأفق السياسي المغلق تماماً، وضاق ذرعاً من العقلية الفصائلية الكارثية التي تودي بالمشروع الوطني والاستقلال إلى الهاوية.
الأحداث والمآسي والصور اليومية تنتقل في لقطات متراكمة سريعة ومسلوخة عن سياقها، فتبعات الوضع القائم الآن تجاوزت السياسة ووصلت إلى أدق تفاصيل الحياة اليومية، وفي توصيف الناس ورد فعلهم لما يحدث، فلن أذهب بعيداً عن اتهام الجاحظ للعامة حين اتهمهم بالنزق والتهور لأنهم أقل شكوكاً من الخواص، فهم لا يتوقفون فى التصديق والتكذيب ولا يرتابون بأنفسهم، فليس عندهم إلا الإقدام على التصديق المجرد أو التكذيب المجرد. في هذا السياق يحضرني رد فعل الشارع الفلسطيني من المواقف التي أحدثتها التغيرات الدراماتيكية في واقعهم وانقسامهم ما بين التوجهات السياسية المتنازعة بين مؤيد لكل متصارع ومحايدين ومستفيدين، ناهيك عن معاناتهم من هوة الازدواجية في القيم بين الأجيال وغياب الحوار بين الفصائل المتصارعة والانفصال الحاد بين ما يتم تلقيه داخل المدارس وما يجري من واقع الحياة ومن تشويه وتناقض للقيم ومبادئ الأخلاق وغياب الثبات على المواقف كل هذه أثرت على البنية الثقافية وبالتالي أثرت على ردود أفعالهم اتجاه ما يحدث هناك.
يبدو أن صناع القرار الفلسطيني لا يضيعون جل وقتهم بالتفكير بأثر هذه الأحداث على البنية الثقافية والاجتماعية وعلى جيل قادم عاش النقيضين وازدواجية المواقف .
المشهد الفلسطيني يقف أمام تحديات صعاب، حصار إسرائيلي لا زال قائماً، واعتداءات متواصلة، استيطان ومصادرة أراض، تفاهمات شرم الشيخ المحدودة حول الأسرى ومسألة الاستيطان والجدار والحصار تم التلاعب بها والمماطلة إزاءها، تفاهمات أنابوليس ذهبت أدراج الرياح، الشارع الفلسطيني ينظر إلى عبثية المفاوضات وطحن الماء بشيء من الاستهزاء، ولسان حاله يقول: إنه رغم مرور خمسة عشر عاماً عليها، لم توصلنا الى أي من الأهداف والحقوق الوطنية، وحتى تسهيلات في القضايا الحياتية والمعيشية لم تتحقق، تزايدت الحواجز العسكرية، وتقطيع أوصال الأرض الفلسطينية، وتضاعف الاستيطان بعشر مرات...وفوق هذا وذاك، عدم وجود اتفاق فلسطيني على استراتيجية موحدة، في ظل حالة الانقسام القائمة حالياً جغرافياً وسياسياً، والتي أثرت ولا زالت بشكل سلبي وخطر على المشروع الوطني الفلسطيني ومنجزاته ومكتسباته.